الجزائر مضطرة لتنويع مصادر الاقتصاد

الجزائر مضطرة لتنويع مصادر الاقتصاد
في الوقت الراهن الجزائر في حاجة إلى ضبط حوافز العمال والشركات لتشجيعهم على العمل والإنتاج في القطاع غير النفطي، للنجاح في تنويع اقتصاداتها، بعد تراجع أسعار النفط بأكثر من 40% منذ جوان الماضي. لم تنجح وفرة التدفقات النفطية على مدار عقود، في بناء اقتصاد قوي بالجزائر، فمع كل مرة تنخفض فيعا أسعار النفط، تبدأ دوامة من المشكلات تحيط باقتصاديات بالجزائ، من عجز بالموازنات العامة، وتراجع في الإنفاق، يتبعه إما تأجيل لمشروعات عامة كان يعتزم تنفيذها، أو تأخير في تنفيذ مشروعات قائمة. و ذلك بالرغم من احراز الجزائر بعض التقدم نحو التنويع الاقتصادي في السنوات الأخيرة، الا ان الامر لا يزال يتطلب بذل الكثير من الجهود الاضافية. ولإحراز تقدم كبير نحو تقليل الاعتماد على النفط، تحتاج الحكومة الجزائرية إلى تغيير اكثر في هيكل الاقتصاد لتشجيع الأفراد على العمل في القطاع الخاص، وتحفيز الشركات على النظر فيما وراء الأسواق المحلية للبحث عن فرص جديدة للتصدير. و لا يخفي عن الجميع ان نموذج النمو في الجزائر، الذي يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للتصدير والإيرادات المالية، أدى إلى وجود تداعيات اقتصادية واجتماعية قوية. فعلى مر السنين رفعت الجزائر عدد العاملين في القطاع العام، وزادت الإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم، مما أدى إلى ارتفاع مستويات المعيشة ودعم نشاط القطاع الخاص، لا سيما في قطاعات البناء والتجارة والتجزئة والنقل والمطاعم. ان نموذج النمو الحالي يعاني من الضعف،و من الضروري زيادة تنويع الاقتصاد للتقليل من التعرض للتقلبات في سوق النفط العالمي، بااتشجيع مثلا في خلق وظائف في القطاع الخاص، و الجزائر مطالبة بتأسيس الاقتصاد غير النفطي في المستقبل حتى تستغنى بسلام عن عائدات النفط، لما تجف اباره. و هناك العديد من النماذج لتنويع الاقتصاد في عدة دول عبر وسائل منها ضخ استثمارات في القطاعات الصناعية ذات الإنتاجية العالية، حتى في حال عدم وجو ميزة نسبية. فالتجارب مثلا في ماليزيا والمكسيك، وإندونيسيا أظهرت أن إحلال الواردات أو الاعتماد على الصناعات ذات العمالة الكثيفة دفعا الشركات غير الفعالة ذات نطاق محدود إلى تحقيق أرباح وزيادة الإنتاجية.وأدى تغيير الشركات في تلك الدول لنهجها، رغم الانطلاق من قاعدة تكنولوجية منخفضة، إلى تطوير الدول لصادراتها من خلال التركيز على قطاعات تصنيع ورفع مستوى التكنولوجي. من جانبها تستخدم تشيلي دعم الصادرات والشراكات بين القطاعين العام والخاص لإنشاء شركات جديدة ورفع مستوى المهارات التقنية في قطاعات محددة. كما ان استخدام رأس المال الأجنبي لتعزيز نقل التكنولوجيا، أحد وسائل تنويع الاقتصاد. ففي الثمانينيات اجتذبت إندونيسيا رأس المال الأجنبي من خلال إنشاء مناطق للتجارة الحرة، وتوفير الحوافز الضريبية، وتخفيف القيود الجمركية والحواجز غير الجمركية. ونفذت ماليزيا والمكسيك سياسات مماثلة. ففي المكسيك لعب الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) دورا هاما في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي سهل تطوير قطاع السيارات. ومن بين وسائل تنويع الاقتصاد الأخرى، استخدام دعم الصادرات، والحوافز الضريبية، والحصول على التمويل لتسهيل تحمل رجال الأعمال المخاطرة وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.ويلعب ضخ استثمارات في مجال التدريب لضمان توافر العمال ذوي المهارات العالية دورا مهما في تنويع مصادر الاقتصاد، ذلك لأن إقامة قطاع صناعي قوي يسهم في تنويع مصادر الإقتصاد تتطلب رأس المال والمهارات البشرية ذات الصلة لهذا القطاع، إلى جانب البنية التحتية اللازمة والمرافق الصناعية. وعلى سبيل المثال ركزت ماليزيا والمكسيك على التدريب لرفع مهارات العمال، ومولت عمليات حصول العمال على تدريب في الخارج، ومع مرور الوقت، أتت الاستثمارات المدفوعة في التدريب أُكلها في بناء قوة عمل عالية المهارة. والمزيدا من التنويع الاقتصادي يتطلب إعادة تنظيم الحوافز الحالية التي تقدم للشركات والعمال. لا ننسى ان سياسات دعم التنويع التي نفذت لغاية الآن قد اسهمت في تأمين بيئة اقتصادية مستقرة، وتحسين مناخ الأعمال، والاستثمار في البنية التحتية والتعليم، وهذه كلها في حد ذاتها، خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح، اذ حققت قدرا من تنويع الناتج المحلي الإجمالي، لكنها لم تعالج تأثير توزيع عائدات النفط على الحوافز. فالمزايا السخية التي توفرها الحكومة تشجع المواطنين في الجزائر للبحث عن عمل في القطاع العام عوضا عن الخاص، في حين أن الإنفاق الحكومي المرتفع في بيئة محلية محمية نسبيا يشجع الشركات على إنتاج السلع والخدمات غير القابلة للتداول.